افعي العرش

افعي العرش

للكاتب: ا/سعاد مصطفي

سمعت أصواتا غريبة تقتحم سكون الليل، ارتجف قلبها خائفا من الشر القادم، اقترب الصوت أكثر حتى ميزته، إنه صأي العقارب

قفزت مرعوبة، بحثت عن عصا خشبية لفت عليها قماشا قديما، رصت قطعا أخرى من الخشب بشكل دائرة ووقفت بمنتصفها، أشعلت قطعة القماش ومدت العصا سريعا فاشتعلت الدائرة بنفس اللحظة التي التف حولها عدد كبير من العقارب، كاد قلبها أن يشق صدرها خوفا، النار تُبعد العقارب، هكذا عرفت منذ طفولتها، لكن ستبعدها لمتى؟ هذا هو ما ستكتشفه الآن.

تأملت العقارب على ضوء النار، كانت سوداء متوسطة الحجم يرتفع ذيلها بشكل قائم وعلى ظهرها ثلاثة أشكال ذهبية اللون تشبه الثقوب، سريعة وغاضبة، اقترب بعضهم من النار فسمعت طقطقة جلودهم قبل الموت، ابتعد البعض قليلا وكأن مصرع ذويهم حذرهم ثم اختفوا، لكنها كانت تشعر أنهم يبحثون عن طريقة أخرى للهجوم، ظهرت عقرب واحدة، دارت حول النار لمرتين قبل أن تتجه للزاوية وتسير على الحائط المقابل، توقفت حتى أصبحت بمقابلها، نظرت لها، بادلته النظر، حركت رأسها حائرة فهزت ذيلها قبل أن تثني جسدها وتقفز تجاهها، الحركة المباغتة أفقدتها اتزانها صرخت وهي تتحرك محاولة إسقاطها على الأرض، سقط مشعلها، داست عليه، احترقت قدمها، سارت العقرب على يدها اليسري، ضربتها فلدغتها، ثم سقطت أرضا، شعرت بوخز وتنميل بيدها، قبل أن تشعر بلدغة أخرى بساقها اليمنى، رفعت العصا عن الأرض وضربتها بها، لم تتوقف إلا عندما انعجن جسدها وأخرج سائلا ذهبيا.

نظرت حولها متأهبة فلم تجد رفاقها، هل قررن الانسحاب؟

انطفأت النار، تفحصت الكوخ علها تجدهن مختبئن، حينما تأكدت من خلو المكان منهن تحركت بصعوبة واستندت على الحائط وجلست تتفقد ساقها ويدها، كان هناك تورم خفيف بالمنطقة المحيطة بموضع اللدغ.

أراحت جسدها ،حاولت أن تتنفس ببطء، لكن بعد مرور خمس دقائق مازالت دقات قلبها غير منتظمة.

شعرت بالتعرق وبدأ جسدها ينضح ماءً، سال اللعاب على جانب فمها، بدأت عضلاتها ترتعش وتتشنج.

حركت يدها المرتعشة بصعوبة ونظرت لكفها حيث تلقت اللدغة، وجدت ثقبا غائرا بكفها، حوافه خشنة وداخله أحمر دامٍ، نظرت له مندهشة، فلقد رأت لدغات عقارب لم تكن إحداها تشبه هذا، حتى شكل العقرب كان مختلفا ومخيفا أكثر، بدأت حرارة جسدها تزيد وتتعرق أكثر وشعرت بخمول فأغمضت عينيها قليلا لتريح جسدها فنامت لوقت لا تعلمه، لكنها استيقظت على ألم لا يُطاق، فتحت عينيها ونظرت ليدها فهالها ما رأت: عشرات الثقوب المتجاورة تنتشر على كفها ويدها متجهة لأعلى ذراعها، الثقوب الأولى أصبحت يابسة أكثر، ومال لونها للون التراب، بينما الثقوب الحديثة باللون الأحمر الدامي ألم يغزو يدها وساقها اللتين تحملان ثقوبا مماثلة، وكأن أحدا يخزها بمسامير، اتسعت عيناها رعبا، خفق قلبها بعنف، حاولت النهوض، سحبت ساقها المثقوبة بصعوبة وهي تصرخ من الألم. خلعت ملابسها عن جسدها؛ فاحتكاك القماش بالجلد كان عذابا مضاعفا هي بغنى عنه، نظرت للثقوب التي غطتها بهلع وكأن أحدهم قد ألبسها جلدا مشوها، الثقوب القديمة أصبحت تشبه خلية نحل مهجورة، هشة مثلها، غادرها الدم وتداخلت فتحاتها وبدأت تتفتت، راقبت جسدها يفرغ من سوائله ويتحول لكتلة هشة من الطين، أدركت أنها النهاية، نهاية لاتقبلها، ستتحرك، ستجد من يمد لها يد العون، جاهدت كي تصل لباب الكوخ، فتحته بصعوبة، سحبت نصفها الأسفل بيأس، شعرت بصوت تحطم، نظرت لساقها التي انفصلت عن جسدها وتحولت لكتلة مجوفة من الرماد، صرخت، بكت، استعانت بكل إله سمعت عنه، لكن أحدا لم يجبها، استمر وخز المسامير وزادت الثقوب، كانت تعرف طريقها جيدا من أسفل لأعلى، وصلت عند كتفيها، مازالت باللون الأحمر الدامي، استندت على يدها لتزحف وتمر من الباب، لكن يدها لم تتحمل ثقل ما تبقى من جسدها فتفتت، انكفأت على وجهها تبكي بهلع وهي تمد يدها الأخرى وتنبش قطعة من الأرض، دخل التراب والحصى بثقوب يدها، تهدم البعض وسُحقت إصبعان، شعرت بوخز مسامير يصعد ببطء من رقبتها لذقنها ثم لسانها ووجنتيها، حينما بدأ برأسها كان الألم غير محتمل، صرخت صرختها الأخيرة قبل أن تتحول لمسخ هش بشع الشكل والرائحة.